تباريح مشتاق عباس معن الرقمية

قراكتابة عاشقة


تطمح القراكتابة الراهنة أن تكون عاشقة لانشقاق الدوال الرقمية وعناقها، باحثة فيها عن "ضوء الشعر الرقمي" المتسرب بين الأصوات والصور والألوان والحركات واللمسات والروابط لا فقط عبر اللغة واستعاراتها ونظمها النحوي والعروضي.

هذه القراكتابة تتأسس على فرضية الاكتفاء ب "الحد الأدنى" من التقنية، وهذا السقف يستند إلى أن مشتاق عباس معن، مبدع هذا العمل الرقمي، من الشعراء المخضرمين، وهنا لا نطلق المفهوم بغاية التصنيف الشكلي بل لاجتماع أسباب الخضرمة في السيرة الأدبية للشاعر، صاحب المنشورات الورقية الكثيرة التي تبز ما هو موضوع من زاده الإبداعي والمعرفي على خط النت.. أعني أن جهده الأكبر لا ينصرف إلى فن التصميم والبرمجة بل إلى القراءة والكتابة بمفهومهما التقليدي، إنه ليس مهندسا-شاعرا بل شاعر-مهندس، وأمامه بعد هذا العمل الرقمي ألف بيت وبيت رقمي للبناء...

لم يمض مشتاق عباس معن إلى حدود تعقيد التلقي وإثقاله بأحمال التقنية بل اكتفى بالاختيارات البرمجية البسيطة المعمول بها في كل المواقع (المقابل التقني لمفهوم "لغة الحياة اليومية"، ومثاله الشريط الإخباري...). وبهذا الاختيار الإبداعي الواعي يحافظ الشاعر على المسافة المناسبة بين العمل الرقمي الطامح للريادة وبين بيئة المتلقي المفترض لهذا العمل وشروطها الثقافية والتقنية.




(1) الإقامة في الغرفة الزرقاء






قناع الشاعر الرقمي:


أول ما يجذب العين بعد النقر على رابط "التباريح الرقمية" رأس التمثال، وجهه الذي تتطاير منه شظايا الغضب والاندفاع والانتفاض، فمه الصارخ على آخره، وعيناه المطبقتان بألم يؤديه تشكيليا تقطيب الجبهة بشدة تستوحي الألم والعذاب المبرّحين (لا الأشواق الحارة التي يثيرها عنوان العمل قبل اللقاء بصفحته الأولى). التمثال هنا قناع فني للشاعر الرقمي، وهو بلون التراب الذي منه أتى وإليه يمضي الإنسان... كل إنسان.




الصراخ المبتور/ لحظة أعيد بناؤها بتنويعات غرافيكية عند موضع "آلة الصراخ والغضب والبوح"/اللسان .
البتر وتشقق اللسان المنعكسة صورته على صفحة المياه الزرقاء التي بها يغرق الإنسان... توحي كلها بالخنق والقمع دون أن تتمكن الآلة من الإجهاز على القوة العظيمة الباقية (ولو على سبيل إيحاء الصورة، ذلك أن الفاعل يموت ويبقى الفعل)...
صورة التمثال الصارخ الموشك على الغرق تم تجميدها وتثبيتها، أي تأبيدها عند "السانحة الحاسمة الهاربة". وفي ذلك سعي للقبض على "اللحظة الشعرية القاسية" وجعلها حافزا نفسيا بانيا ل "السيرة الشعرية" باعتبارها سلسلة من المقاطع المتوهج كل منها ببرحائها الخاصة، إحدى لحظاتها (هي على ما يبدو لحظة الصفحة الأولى) زرقاء، يقف فيها الموت-الصمت والحياة-الصراخ على حدود البرزخ...




أصوات البرزخ:


لا يخفى عن المتصفح الأطرش أن هذا المشهد به صراخ عظيم، يشير إلى مخاض قادم، أو عبور آت. كما أن الألوان المفارقة لبعضها البعض جعلت كل لون يصرخ على حدوده مع اللون أو الألوان الأخرى (جوار الأزرق والأحمر والأصفر نموذج لصراخ الألوان)..
إلى هذه الأصوات التي يخلقها التنضيد البصري للمشهد، تنضاف المقطوعة الموسيقية التي اختيرت لاستقبال المتصفح، وهي بامتداد الواف wav، تزن 208.57 كيلوبايت، وتستغرق زمنيا 26 ثانية لكن برمجتها مبنية على التكرار المستمر للصوت. أما تسميتها في ملف التخزين فهي (frist-beach) ولعلها (first-beach). بالمعنى الثاني تكون للتسمية وظيفة ترتيب الملف الصوتي في بداية هذا العمل الرقمي، أما كلمة "شاطئ" فهي تفتح أفقا مناسبا للإبحار في "سيرة الشاعر الزرقاء". لون الصفحة الأولى يقول ذلك وعنوان العمل نفسه يشير إلى أن هذه السيرة الشعرية "بعضها أزرق".

لقد تعامل مشتاق عباس معن مع الملف الصوتي بالقص (انقر هنا لتشغيل الملف الصوتي مرة واحدة فقط، وبشكل منفصل عن الصفحة الحالية)؛ فبدل إرفاق المقطوعة الموسيقية كاملة وضعنا أمام بتر جارح للمقطوعة الأصلية مما جعل السماع يذكّرنا، عند كل دورة، بالأصل المقصوص وبالدم النازف من نشاز السماع ، كأننا أمام تصعيد يؤدي إلى الهاوية (للقص في العربية دلالة الحكي أيضا!). وإثارة هذا الشعور تتلازم عميقا مع دلالة "التباريح" التي يقترن فيها العذاب الجسدي بالأشواق الحارة.
المقطوعة المجروحة المتكررة كل ست وعشرين ثانية تحكي حنين بعضها إلى بعضها الآخر، وهي إذ تنهب أذن السامع وتغشى عينه تتعالى بامتداد صمت الصراخ، كأنما تقول له: لا بد من إطباق الجفنين والامتلاء بي قبل أن تعيد فتح حدقتيك على المشهد، لديك وقت كالأبدية الزرقاء... فيك ما في العزف من توجعات ذبيحة وذابحة، ومن تصعيد جارح للألم الساعي للخلاص أو الفرحة الناهضة من حتفها (سيكون مفيدا أن أعرف صاحب المقطوعة، كي أرى وأسمع أكثر. لكنني مع ذلك أوفر حظا من مستمع أدمن الإنصات لهاته المقطوعة "كاملةً"في "سياق" آخر، قبل اكتشافه لتباريح الشاعر، حتى إذا انبثقت بهذا "السياق" صدمته واستحال عليه فصلها عن خارج هذا العمل الرقمي. منذ هذه اللحظة صارت المقطوعة، بالنسبة لي، ملكا لتباريح مشتاق عباس معن، وكلما استمعت إليها منفصلة، حيثما كنت، سيكون مستحيلا خلاصي من اقترانها بوجه التمثال واللون الأزرق الداكن. لا مفر من الامتلاء! ولا سبيل للفكاك من لحظة الإنصات الأولى للموسيقى، حيث تبقى محمّلة بذاك "الحضور الأول" مهما اختلفت أزمنة وفضاءات الإنصات. إنها سعادة الإقامة الدائمة في "المنزل الأول")...




بوح التمثال... بوح العنوان:


إلى اليمين، بأسفل صورة التمثال، انسيابات ولمسات رمادية تدغدغ اللون الأزرق ناشرة ظلال الصرخة الموؤودة، وموحية بتموج صفحة الماء العميق الذي يتهيأ به غرق التمثال. أزرق له تصاديه المكشوف مع عنوان النص المتحرك إلى اليمين بمؤشر زمني scrollDelay ترقيمه العددي 5 ، يجعله رتيب السرعة وحاصرا لإيحاءات العنوان اللغوية... للتباريح احتمالات حركية لها الصدى والانثيال والتهادي لا الاتجاه القسري الروتيني إلى اليمين، مع ذلك فهذا "الحد الأدنى" يشير إلى التحرر من سطوة كتابة اللغة العربية من اليمين إلى اليسار عبر العصور (تستثنى من ذلك التجارب التشكيلية الحروفية )...

ألوان التمثال المتدرجة من الأسود، مرورا بلون التراب، إلى التاماعات الضوء الأشد فتكا بالعين (على جبهة التمثال الصارخ) تتراسل بشكل عنيف مع خلفية صفحة الاستقبال ذات اللون الأزرق الداكن الضاغط على الحدقة حد الحزن، والذي ينتهي أسودا بأعلى الصفحة، ويغدو سندا مضيئا للأحمر القاني الذي اختير لتلوين عبارة العنوان: بالأحمر القاني والحركة السريعة إلى اليمين يكتسب العنوان بروزه المنبه للمتلقي.

اللون الأحمر يوحي بدءا بدورة الموت والحياة، بالشدة والألم والعذاب ووهج المهجة المشتاقة، وهذا السياج الدلالي يتناسب مع كلمة "تباريح" التي تكون أول ما ينبثق من الشريط. تليها بعد ذلك نسبتها إلى الرقم: "رقمية" التي تقوم بوظيفة التحديد الأجناسي. وهذه "التباريح الرقمية" مسندة بمقتضى لام الملك ل "سيرة بعضها أزرق"، مما يؤشر على وجود "بوح شعري" يقدم هذه السيرة التي بعضها "أزرق" والبعض الآخر لا!!
للزرقة هنا بعد جمالي آسر لا يمكن فصله عن صفحة الاستقبال التي تهيمن عليها الزرقة الداكنة. وفي هذا ما يدعم الافتراض أن الصفحات الأخرى (أجزاء السيرة الباقية) لن تكون زرقاء.




لا يبدو أن ثمة دقة برمجية في إخراج المشهد بقدر ما هناك مهارة يدوية قائمة على خبرة قبلرقمية تغذيها عين ذات ذاكرة فنية متقدة الألوان وارفة الظلال. إن تنفيذ "الفكرة" يبقى دون طموحها، أعني أنه قابل لإعادة الرقمنة بشكل مغاير يبدد بعض الاهتزازات التي قد تؤذي العين أو تستفزها، لكن ذلك سيبدو إجراء أخرقا بالنظر إلى أن الماثل أمامنا هو مجهود فنان يرى ويعني ما يراه إذ يتهيأ تحت أنامله الراقمة..
في سياق "إعادة الرقمنة" (التي تعادل "الطبعة الجديدة المزيدة والنقحة" ورقيا) أحب أن أشبه ما يبدأ في الأدب الرقمي بما تم في الموسيقى منذ أزمان على شكل تنويعات أو توزيعات أو تخريجات تعيد إظهار ما أسميه ب"الطاقة المحايدة-المؤجلة" لعمل فني سابق، وهي طاقة تكون كامنة في غياب سندها المناسب. ثمة في كل عمل فني تأسيسي "هنات وزلات وثغرات" يجب الكف عن اعتبارها كذلك بالمعنى الأخلاقي أو القضائي، بل إدماجها ضمن نسق باقي مكونات العمل الفني وتضاماتها، في إطار "ممكنات" الفنان الذاتية والموضوعية، وحصاد تجربته في قراءة (كتاب الدنيا).




تصعيد الموت العمودي:


بالإضافة إلى عبارة العنوان البارزة حضورا، ينزاح الشاعر مرة ثانية عن اتجاه الخط العربي من خلال تنضيده لعبارة عمودية التوزيع، هكذا:








إنها عبارة ذات شحنة إيحائية عميقة الوشائج بما تخلقه صورة التمثال من فجائعية مشهدية غامرة للكلمات وللموسيقى. الحنظل، لمرارته، صار موتا يتخمر، والتمثال بذاته يجسد هذا "الموت الذي يتخمر" في إشارة إلى تكثيف اللحظة الزمنية (هل هذه التباريح ستكون احتقانا بالموت واحتفالا يتأهب للولادة؟). عبارة العنوان الملونة بالأحمر القاني، والتي تشارك الموسيقى دورانها "الأبدي" في الاتجاه الوحيد الأوحد، من اليسار إلى اليمين، توحي بالحيرة والاستسلام القدري لدورة الموت الواشمة لسيرة الشاعر، ابن العراق الجريح الذي صار فيه الإنسان يحمل على كتفه نعشه كلما تهيأ لجولة بسوق الناس الطيبين...

الألفاظ المشكّلة للعبارة العمودية مكتوبة ببرنامج وسيط على أزرار جاهزة، وهذا ما يرسّخ طبيعتها الأيقونية. ويظهر أنها مجرد "مادة خام" تتيحها خيارات البرنامج المستخدم في تصميم صفحة الهتمل، بحيث اكتفى الفنان باختيارها دون إحداث أي تغيير في بنيتها البصرية (رغم أن تقطيعها غير دقيق)، أضف لذلك أنه آثر الاحتفاظ بالشكل والحجم الواحد لكل الكلمات المكونة للعبارة العمودية. دائما، ههنا، نعثر على مزيد من المؤشرات المثبتة لفرضية "الحد الأدنى" من الانزياح عن القوالب التقنية الجاهزة أو "الخامات الرقمية"..



تعويم الشعر:


رغم أن المظهر البصري للأيقونات متماثل، فإن تمرير مؤشر الفأرة فوقها ينتج عنه تعويم مقاطع شعرية تتفاوت حجما من أيقونة لأخرى. وهذه التقنية التعويمية تستعمل على صفحات الويب لتوضيح بعض خصائص رابط معين أو أيقونة ما سواء أكانا تشعبيين أو غير تشعبيين، وقد انزاح الشاعر عن هذا الاستعمال المكرور باتخاذه وسيلة لتعويم "الدفقات الشعورية". لكن يظهر أن توظيف هذه "الخاصية" تم بشكل آلي دون التحكم في تمديد مدة عرض المقطع الشعري المعوّم أو برمجتها بحيث لا يختفي المقطع إلا بإبعاد مؤشر الفأرة عن الأيقونة. إن تقييد قراءة النص بسياجها الزمني الراهن يجعل المتصفح لا يجد المدة الكافية لالتقاط العبارات الطويلة الناشئة عن تمرير الفأرة، مما يخلق حاجزا مربكا يعرّض وقته للهدر المجاني، وقد يثير قلقه وتوتره أحيانا. أمام هذه "الأوضاع النصية" يكون من الضروري اللجوء إلى لغة البرمجة وتفكيكها لتثبيت العبارات  العائمة واقتناصها من "وراء حجاب المشهد":

هذا مثال لبرمجة الأيقونة الأولى:

href="http://www.alnakhlahwaaljeeran.com/111111-moshtak.htm"><IMG
start=mouseover height=56
alt="ايقنت/حين قرأت(كتاب الدنيا)/أن الناس توابيت/وأحلام برأس الموتى/كـ (طراز القبر/المنقوش بأحلى مرمر/والعطر المنثور على ابواب اللحد/وبخور الاعواد الثكلى/تنزف عنبر/... ... أيقنت/ان المولودين ضحايا/ونعيش/ لكن .....كي نقبر )"
src="moshtaq01_fichiers/zeer-eekant.jpg" width=112 border=0></A>


في السطر الأول: الرابط الذي يقود إليه النقر على الأيقونة (وهو نفسه رابط صفحة الاستقبال)؛
في السطر الثاني: إعطاء أمر برمجي ينشأ عنه تعويم النص أثناء تمرير مؤشر الفأرة على الأيقونة عند التصفح؛
في السطر الثالث: المتن اللغوي، وهو مكتوب بطريقة رقنية منزاحة عن قواعد الرقن "السليمة"؛
في السطر الرابع: اسم الأيقونة وامتدادها وموضعها داخل مجلد التخزين على الجهاز الخادم للموقع.
ثمة أيضا مقاسات الأيقونة ب(112 على 56)، ويلاحظ أن الإطار منعدم 0.

وبالنتيجة، إن تمرير مؤشر الفأرة على الأيقونة الأولى، كمثال، يتولد عنه النص المعوم على الشاكلة التالية:




الأيقونات الخمس والمقاطع الشعرية الناجمة عن تمرير مؤشر الفأرة فوقها مدرجة كلها ضمن خيارات برمجية خطية وتلوينية نمطية (هي تكرار تطابقي للمثال المحلل سابقا: خلفية صفراء، خط طاهوما بمقياس 10، رقيق ، أسود اللون، إطار مستطيل، مشهد سريع الزوال لا يتجاوز خمس ثوان كحد أقصى)..
ما كان أوفر احتمالات هذا التعويم وحظوظه الجمالية لو اتكأ الشاعر على التنويع في الحجم واللون والمدة الزمنية... أما والحال هاته فإن ثمة تنابذا بين الاستغراق الزمني السريع للتعويم وبين ما يحتاجه تلقي مقطع شعري لشاعر مخضرم خبر النص صوتيا وورقيا قبل العبور به إلى "الشبكة الزرقاء".
إن المقطع المعوم في المثال الأول يحتاج إلى وقفات تأملية طويلة من أجل استجماع دلاليته والاستمتاع بحضرته، لا سيما وأنه ينهض على صور استعارية مبتكرة، متتالية، وذات وشائج دلالية متنامية ومتداخلة، زد على ذلك أن حضور القوافي يحتاج إلى وقفات تفقد مكانها داخل هذا الخناق!!
اللافت أيضا أن الشاعر بنى المقاطع الخمسة على أساس الفصل بين عباراتها بعلامات قاسمة (السلاش) التي تعودنا أن نختزل بها الأسطر الشعرية ضمن الشواهد الشعرية الطويلة في الدراسات الواصفة للشعر السطري أو الجملي. وفي هذا ما يدفع إلى افتراض أن المقاطع الشعرية تحمل فراغاتها في ذاتها وتداوم استحضار الأسطر الشعرية "الحرة" القائمة على لعبة البياض والسواد، الملء والإفراغ، رغم أنها توهم بإلغائها... وتلك علامة أخرى على الخضرمة الشعرية، حيث يحمل الإخراج الرقمي ذاكرة الكتابة الورقية، ولا ينزاح عنها إلا ب "الحد الأدنى" من التقنية..



وعود الموت المتخمّر:


إذا تجازنا الطابع النمطي للأيقونات الخمس، يبقى هناك إذن متغير واحد هو النص المعوم، حيث نحصل -بمداعبة الأيقونات الخمس- على خمسة مقاطع مسبوقة بأسماء أيقوناتها الرابطة ضمن مجلد التخزين:

zeer-eekant.jpg / أيقنت:
(ايقنت/حين قرأت(كتاب الدنيا)/أن الناس توابيت/وأحلام برأس الموتى/كـ (طراز القبر/المنقوش بأحلى مرمر/والعطر المنثور على ابواب اللحد/وبخور الاعواد الثكلى/تنزف عنبر/... ... أيقنت/ان المولودين ضحايا/ونعيش/ لكن .....كي نقبر )"

zeer-anaa3.jpg / أن:
(ان الملوك أذا دخلوا قرية افسدوها/وأرضي تنث ملوكا/كان آخر من آورق فيها.... ملك الموت)

zeer-alhandaal.jpg / الحنظل:
(الحنظل أدمن شرب هموم المنصاعين لبوح الحزن.... فتحنظل)

zeer-mooot.jpg / موت:
(موت يعدو....ماذا يبغي هذا العداء المسكين ...؟!)

zeer-yatakamar.jpg / يتخمر:
(يتخمر ظلي في الغرفة...وأنا عار في طرقات الروح/أتلمسني/لعل الغربال المتلفع جلدي/ يوقض ظلي/الموغل في التوحيد بدوني/كي يشرك بي )

(في المقاطع أخطاء رقن تعوزها المراجعة وهذه ملاحظة أرجو أن تحظى بعناية الشاعر خلال الإخراج القادم)

إن ما يجمع هذه المقاطع دلاليا هو تيمة "الموت التخمر"، تلك المتولدة مع العبارة العمودية الأم (حصيلة جمع الأيقونات الخمس):

أيقنت
أن
الحنظل
موت
يتخمر

هذا الترابط التيمي والدلالي تؤسسه إيقاعيا لعبة التكرار الترادفي والتطابقي والتجانسي الملحوظ بين العبارة العمودية وما يتولد عنها من مقاطع معومة أفقيا بعد ملامسة الأيقونات: (توابيت، الموتى، القبر، اللحد، الثكلى، تنزف، ضحايا، نقبر، ملك الموت، الحنظل، أدمن شرب هموم المنصاعين لبوح الحزن، تحنظل، موت يعدو، يتخمر ظلي)، ناهيك عن كون كل مقطع ينبني لغويا على الانطلاق من ذات المفردة المثبتة على كل أيقونة، فكأنما الأيقونة منبع والمقطع المعوّم مصب...!
إن كيمياء هذه الدوال يفيد أن "التباريح" إقامة على حدود الموت المتخمر، أي المبشر بالميلاد والبعث، وهذا الأفق الدلالي له، بلا ريب، وعود عودات في الصفحات القادمة.




الخبط على نوافذ الغرفة الزرقاء:


إن الحضور الدلالي المشع للكلمات ومهارة سبكها لا يتناسب كيفيا مع ما كان منتظرا من تشغيل الروابط التشعبية. ومما أوهن وظائف الروابط التفاعلية أن يكون النقر على الأيقونات الخمس تباعا لا يستدعي إلا رابطا واحدا يؤدي دائما إلى ذات الصفحة أي صفحة الاستقبال:
(http://www.alnakhlahwaaljeeran.com/111111-moshtak.htm)

النقر، هنا، بياض وخواء أو رجع صدى يعيد المتصفح إلى الارتطام بذات الغرفة الزرقاء مشبعا ب "خواء" النقر. كل ذلك يحد من المردودية التفاعلية للأيقونات الخمس، أي أنه يرغم المتصفح على الاكتفاء بالحد الأدنى من نشوة المعنى.
كأننا هنا إزاء نوع من الخبط العشوائي على خمسة أبواب لا تؤدي إلا إلى نفس المشهد القاسي الذي تهيمن عليه صرخة التمثال الموؤودة وتعوي فيها الموسيقى بحزن حاد، وهو ما يجعل فرضية اعتبار صفحة الاستقبال هي غرفة الشاعر، أي واقع العراق المتخبط في البحث عن مخارج تفرج الكرب المرير: نقرأ بعد مداعبة الزر الخامس بمؤشر الفأرة:

يتخمر ظلي في الغرفة...وأنا عار في طرقات الروح
أتلمسني
لعل الغربال المتلفع جلدي
يوقظ ظلي
الموغل في التوحيد بدوني
كي يشرك بي

اعتبار الصفحة الأولى غرفة للشاعر (أو بيتا رقميا) يجعل المقاطع اللغوية المعومة بمثابة الأشعار التي تنكتب أو تعلق على جدران الشوارع والممرات والغرف والسجون (النصوص الشعرية الموازية لعذابات العراق المحتل).
هل هي غرفة لتعذيب المتصفح؟ لتهييئه من أجل العبور إلى منافذ العمل الرقمي الأخرى وهو مشبع بطقوس الموت وحضوره؟
أتذكر في هذا السياق حكايات المناضلة الأمريكية الجنوبية دوميتيلا دوشنغارا والغرفة الزرقاء التي كان يتم بها استنطاقها. أذكر بشكل خاص حديثها عن ضغط اللون الأزرق الذي يجثم على الصدر. جرب أنت أيها المتصفح. ادخل إلى غرفة ضيقة ملونة الجدران بالأزرق الداكن، بها رجل صارخ يقف شامخا على حافة الموت والحياة، وموسيقى ذابحة وعلى جدرانها تعوم من حين لآخر نصوص شعرية لا رواء بها غير الموت المتحنظل اليعدو في الأسواق... جرب أن تقيم في الغرفة الزرقاء. سيكثر خبطك على النوافذ والأبواب الروابط، وستسعد إن تجد رابطا يؤدي إلى خارج الغرفة الزرقاء-دون الانكفاء للوراء).




النقر فوق ضلوع البوح:


تبقى للواقف بهذه الغرفة الزرقاء أيقونتان/ فرصتان أخيرتان للنجاة: يجمعهما التماثل البصري واللغوي، لكن النقر على الأولى يقود إلى غير ما يقود إليه النقر على الثانية، وفي الحالتين فهما تحرران المتصفح من نمطية القسوة الصارخة في الصفحة الأولى (للمقطع الموسيقي الافتتاحي-الروتيني وظيفة تكثيف الضغط وتهييء الذات لتباريحها):





التماثل الظاهري يخفي وجود اختلاف بين الأيقونتين، وهذا يدخل في "الحشو الرقمي"، فمادام هناك تماثل بصري بين الأيقونتين لماذا تتم تسميتهما باسمين مغايرين: albooh1 وalbooh221 (ينجم عنهما استعمال أيقونتين في مجلد التخزين بدل واحدة)؟ أضف إلى ذلك أن ترقيم الأولى ب (1) والثانية ب (221) يبدو اعتباطيا تماما وربما قد يصير عائقا أثناء ترتيب الخامات الرقمية لهذا العمل، ويبدو أيضا أن الطابع العشوائي للتسمية ينسحب على كل الملفات المحجوبة، وضمنها ملف الهتمل الخاص بصفحة الاستقبال:
 (http://www.alnakhlahwaaljeeran.com/111111-moshtak.htm)
فما الذي يعنيه تكرار العدد 1 ست مرات مقرونا بعارضة مع اسم الشاعر المكتوب بحروف لاتينية؟).

كما في العبارة السابقة (أيقنت أن الحنظل موت يتخمر)، يكتفي الشاعر ههنا أيضا بتوظيف أيقونة جاهزة برمجيا بلونها وشكلها وخيارتها المحدودة جماليا، ويثبت فوقها عبارة واحدة ذات وظيفة ندائية-أمرية: أيها المتصفح، انقر هنا! أين؟ يجيبنا الشاعر باستعارة غاوية تعيد إدماج لغة النت بلغة الشعر، فيغدو النقر لا فوق الأيقونة (كما في الظاهر) بل على "ضلوع البوح". النقر هنا يتوجه إلى الجسد/ جسد الذات الراقمة لزمنها الموشوم بالموت-الموعود بالميلاد.

هنا ينتعش فعل الربط شعريا، ثمة دفع إيحائي أكيد تثيره الاستعارة اللغوية: "انقر فوق ضلوع البوح"، يتخلى النقر عن وظيفته الترابطية المباشرة ليستوقف، الناقر المتوجس، المتأهب، والمتهيب من "النقر فوق ضلوع البوح". لكن يبقى "الحد الأدنى" حاضرا بلجمه للطاقة الإيحائية التي يخلقها شكل الأيقونتين النمطيتين الجاهزتين قبل إنجاز هذا العمل الرقمي. اللغة وحدها، في ثوبها الاستعاري، تمنح للأيقونتين، من باب التخيل، شكل الضلوع. لا تكافؤ بين الدالين اللغوي والبصري، ثمة بروز للأول وتوار مستمر للثاني.

بمجرد النقر على إحدى الأيقونتين (خلافا للخمس السابقات) ينبع شلال بوح جديد يتجاوز الزرقة الخانقة للغرفة، وهما في الحقيقة نبعان أو منفذان للحلم الشعري المخلّص من وطء الحزن المتحنظل والمتخمر بالموت. هل النقر هنا انبثاق للحياة من الموت؟ تحليق بعيد عن غرفة الشاعر الزرقاء؟ بحث عن مسكن حر في الشبكة الزرقاء؟




بناء البيت الرقمي:


سواء تعلق الأمر بصاحب العمل أو بقارئه، تبقى "التقنية" الموظفة في بناء هذه الغرفة/البيت غير متناسبة مع الطاقة الشعرية اللغوية وقد تكون متعارضة مع "حق الذات في بناء مسكنها الخاص"، فكما أن الشعراء أباحوا لأنفسهم تجاوز النماذج الجاهزة قبليا في اللغة والتركيب والإيقاع، وخلقوا بذلك عوالم غير مسبوقة ولا مألوفة بالنظر إلى جمالها الفريد، فإنهم مدعوون إلى عدم الاكتفاء ب "النموذج التقني" الجاهز بل الانزياح عنه باتجاه الكشف والإدهاش، مع الابتعاد قدر الإمكان عن تكرار النموذج الثابت. أمر كهذا بات متحققا في كثير من الأعمال الشعرية الرقمية المندرجة، على وجه الخصوص، فيما يسمى "القصيدة الرقمية المبرمجة"، وهي تتيح لقارئها أن يقرأها بشكل مختلف في كل تصفح جديد، لأن كل قراءة تنتهي برمجيا ب"دمارها" و"استحالة استعادتها"، وتلك خاصية مستبعدة في مقام هذا العمل المقترح من طرف الشاعر مشتاق عباس معن، الذي يكتفي ب "الحد الأدنى" من الدوال غير اللغوية:

1- الحركة: محصورة في تمرير شريط العنوان يمينا وتعويم المقاطع الشعرية الخمسة، بمقاسات زمنية حادة وغير قابلة للانزياح. الحركة هنا محصورة في الخطاب اللغوي ولا تمتد للخطاب البصري إلا بالإيحاء (تموج وانسياب الخلفية الزرقاء، صرخة التمثال الموؤودة...)..

2- الصوت: إذا استثنينا أصوات النقر، يبقى الصوت محصورا في المقطع الموسيقي الجارح الذي يعتبر امتدادا تعبيريا لتأبيد لحظة الصراخ الموؤود الناجم عن إخراس فم التمثال (العظيم) بضربة أفقية باترة لآلة النطق والصراخ.. التكرار الرتيب للمقطع الموسيقي يتناسب مع التمرير الرتيب لشريط العنوان.

3- البصر: ألوان مفارقة (الأزرق المتدرج إلى الأسود، الأحمر، الأصفر، الأبيض...)، وأيقونات جاهزة، متداولة، ومتماثلة، مع اعتماد فرش أول مستمد من أيقونة صفراء:




هذا الفرش الخلفي وقعت عليه الصورة-الخلفية الزرقاء (بمقاس أصلي 1000 على 700) فلم يبق منه غير الإطار الأصفر الرقيق الذي يحيط باللوحة الزرقاء دونما دقة في التقطيع (مما يصعّب عملية ضبط قياس الشاشة)... أما الأيقونة الصفراء فهي مسجلة في ملف التخزين باسم أصلي bk000، وحرفاها الأولان يختزلان لفظة background الخلفية. هاته الأيقونة تنفرد بامتدادها (gif) مخالفة بقية مكونات الصفحة الحاملة لامتداد (jpg)، ويتبين أنها قد أساءت كثيرا إلى عرض هذا العمل الرقمي: إنها "عنصر خارجي" لم يدرجه الشاعر في بنية عمله بل "الناشر" المسؤول عن تصميم موقع "النخلة والجيران"، حيث يتبين من تصفح هذا الموقع أن الأيقونة الصفراء هي ذاتها المعتمدة كفرش أول في الواجهة وفي بقية الصفحات. هذا ما يدفعنا لاستبعاد الإطار الأصفر من مصاحبتنا للنص، علما أن لونه وشكله غير المضبوط في مقاساته (تفاوت أحجام الهوامش) يشوش على المشهد العام ويعادي العينين.
يستطيع المتصفح، بعد هذه الالتفاتة، أن يعيد تركيب العمل بمحو الإطار الأصفر، ليرى أن المشهد العام يزداد تعبيرا عن "الموت المتخمّر" ومرارة الوجود القاتم، المحاط بأهوال الظلام: الأزرق الداكن المؤطر بالأسود المطلق (#000000) يغدو أكثر إشراقا بالمعنى والجمال.




الخروج من التابوت:


في المحصلة، تقوم الصفحة الأولى على صهر العناصر التالية:

- أيقونة الخلفية الرئيسة التي لم يبق منها، في المشهد، غير الإطار الأصفر المحيط بصورة التمثال (عنصر مقحم).
- صورة التمثال المعوّم على مساحة زرقاء داكنة والتي تشكل العنصر المهيمن على المشهد..
- الأيقونات الخمس المتشعبة تعويميا، وهي متشابهة الشكل والرابط، لكن تمرير مؤشر الفأرة عليها يضعنا أمام خمسة مقاطع شعرية متباينة.
- أيقونتان تستدرجان المتصفح للنقر فوقهما وقد صارتا، استعاريا، ضلوعا للبوح، وهما على خلاف الخمس السابقات، تتميزان تشعبيا بفتح النص على إمكانيتين قرائيتين مختلفتين، وتأذنان بمواصلة السفر مع التباريح، بعيدا عن الغرفة الزرقاء.
- الملف الصوتي المرفق، وهو واضح الانشقاق، وعميق الصلة بإيحاءات "التباريح".
- العناصر المحجوبة، مثل الخلفية السوداء التي وقعت عليها صورة التمثال، والملفات المخزنة التي يحمل جلها تسميات مبهمة... وتبقى تلقائية تسمياتها قابلة لقراءات قد يأتي أوانها.



ثمة في جماع هذا المشهد "موت يتهيأ" [الناس توابيت، أحلام برأس الموتى، طراز القبر، أبواب اللحد، إن المولودين ضحايا، نعيش لكن .....كي نقبر، ملك الموت... ]، وثمة مرارة وألم يعتصران السامع والناظر، والأهم أن ثمة عملا رقميا في لحظة مخاض.
هل ينبغي لنا ، في مقام هذه "التباريح الرقمية" أن ننسى الأثر الواشم للشعراء التموزيين؟ أليس في تتبع تعالقات الموت والبعث في هذا العمل ما يعيدنا إلى شجرة نسبه الشعرية؟

هناك، إلى جانب خياري الدخول الاثنين، خيار ثالث بأسفل الصفحة يعيدنا إلى واجهة موقع "النخلة والجيران"/ محتضن هذا المنجز الرقمي... سوف لن أنقر عليه مادام النقر فوق ضلوع البوح أولى وأجدى ( محطة القراكتابة القادمة)...


ملحوظة:


هذه وقفة أولى تليها وقفات أخرى مع بقية مكونات القصيدة، ويجدر التنويه بأنها قابلة للتحديث والتعديل أثناء إعادة تركيبها الأخيرة.